ما ينفع المسلم بعد الموت – فضل الرباط في سبيل الله

ما ينفع المسلم بعد الموت – فضل الرباط في سبيل الله

لفضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

14 ربيع الأول 1445هـ – 29 سبتمبر 2023 م

———————————————————————————

الحمد لله الذي بيده الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، نحمده سبحانه، هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده مواقيت الأعمار ومقادير الأمور. ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، العبد الشكور، والداعي إلى كل علم نافع وعمل صالح مبرور، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور.

أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، (وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: ما أكثر طرق الخير، وما أكثر أبوابه التي جاءت بها تعاليم الإسلام العظيمة، وحثت عليها سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم المطهرة، فقد يكون العمل الصالح والصدقة، بالقول الطيب، وقد يكون بالعمل الخيِّر، وقد يكون بمجرد النية الصالحة، وهذا يعني أن أوجه الخير في الإسلام كثيرةٌ جداً، وما تنوعها وكثرتها إلا ليكون ميدان التنافس فيها واسعاً بين العباد، وليكون بإمكان كل عبدٍ أن يعمل وأن يُري الله من نفسه خيراً، يقول الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

أيها الأخوة والأخوات في الله: في الحديث الحسن الذي يرويه أنسُ بن مالكٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْماً، أَوْ أجرَى نَهَراً، أَوْ حَفَرَ بِئْراً، أَوْ غَرَسَ نَخْلًاً، أَوْ بَنَى مَسْجِداً، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًاً، أَوْ تَرَكَ وَلَداً(صالحاً) يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ) وفي رواية: (أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) والمعنى – حفظكم الله – أن من عظيم نعمة الله على عباده المؤمنين، أن هيأ لهم أبواباً من البر والخير والإحسان عديدة، يقوم بها العبد الموفق في هذه الحياة الدنيا، فيجري ثوابها له في الحياة الدنيا، ويستمر جريان هذا الثواب له بعد الممات، فأهل القبور في قبورهم مرتهنون، وعن الأعمال منقطعون، وعلى ما قدّموا في حياتهم محاسبون ومجزيون، إلا أن منهم من وفقه الله تعالى للخير والعمل الصالح في دنياه فيكون مدفوناً في قبره، ولكن الحسنات عليه متوالية، والأجور والأفضال عليه متتالية، وهذا من فضل الله وكرمه، أن ينتقل الإنسان من دار العمل، ولا ينقطع عنه الثواب، بل ترتفع درجاته، وتزيد حسناته، ويتضاعف أجره، وتُمحى خطاياه، فما أكرمها من حال، وما أجمله وأطيبه من مآلٍ.

أيها المؤمنون: أما الأعمال التي يجري ثوابها وأجرها على الإنسان في حياته، وفي قبره بعدما يموت، فمنها كما سمعتم في الحديث الشريف: أولاً : (من علّم علماً) والمقصود أن يكون الإنسان عالماً فيُعلم أبناء المسلمين علماً نافعاً من خلال الدروس أو المحاضرات أو الخطب والمواعظ ، أو أن يترك كتباً فيها علمٌ نافعٌ، يستفيد منه الناس، سواءً كان هذا العلم دينياً أو دنيوياً، وعلى الرغم من أن علوم الدين أفضل في الأجر والثواب، إلا أن العلوم الأُخرى لا تقل عنها فضلاً ولا أجراً إذا ما كانت نافعةً للناس وتقدم الخير لهم… ولا شك أن من يسهم في طباعة الكتب العلمية النافعة، ونشر المؤلفات المفيدة، وتوزيع الأشرطة العلمية والدعوية للعلماء والدعاة الثقات على الناس، لا شك أنه سيحظى بحظٍ وافرٍ من ذلك الأجر إن شاء الله تعالى، لما يترتب على ذلك من نشرٍ للعلم والوعي الإيجابي بين الناس، وتُصحيحٍ للمفاهيم، وتحقيقٍ للنفع والتبصُر في أمور الدين والدنيا، والمُساعدة على معرفة الحق وإتباعه، والبعد عن الباطل واجتنابه.

ثانياً: ومن الأعمال الصالحة التي تنفع المؤمن بعد موته كما ذكرت في الحديث (أو أجرى نهراً) فالمقصود أن يُجري الإنسان نهراً أو ماءً على نحوٍ كبيرٍ، كحفر الجداول أو القنوات المائية، أو شق الأنهار التي يجري ماؤها غزيراً ودائماً، فيرتوي الناس منه، ويسقون زروعهم ومواشيهم، وينتفعون به في مصالحهم المختلفة، ولتشرب منه الطيور والبهائم وغيرها من المخلوقات الأُخرى.

ولعل مما يُلحق بهذا العمل النبيل بناء محطات التحلية للمُقتدرين، ومد الأنابيب والشبكات، وتوفير برادات الماء في طرق الناس ومساجدهم وأماكن عملهم وسكنهم، ولاسيما في بعض البلاد الفقيرة والمناطق التي يحتاج أهلها إلى الماء، ويكثرُ فيها العطشى، فيكون في توفيره لهم أجرٌ كبيرٌ وفضلٌ عظيم، فعن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قلت يا رسولَ اللهِ! إنَّ أمي ماتت، أفأ تصدقُ عنها؟ قال: نعم قال: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ، قال: سقْيُ الماءِ).. ثالثاً: ومن الأعمال الصالحة التي تنفع المؤمن بعد موته كما ذكرت في الحديث (أو حفر بئراً) والمقصود أن يقوم الإنسان بحفر بئرٍ للمياه، ثم يسمح للناس بأن يشربوا من مائها العذب، وان يستخدموه في حياتهم اليومية، وكلنا نعلم أن الماء يُعدُ من أهم ما يحتاج إليه الناس في أي زمانٍ ومكان ولاسيما أن الماء من أغلى النعم التي منَّ الله بها على خلقه ولا تستطيع جميع المخلوقات أن تستغني عن الماء الذي قال الله سبحانه وتعالى في شأنه (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) لذلك فقد أخبرنا معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم، أن حفر الآبار وتوفير المياه للناس، يُعدُ باباً واسعاً من أبواب الخير والأجر الذي لا يعلم مقداره إلا الله، وما أكثر البلاد الفقيرة التي شح عندها الماء، وحاجتها إلى حفر الآبار، فلا تفوتوا عليكم هذا العمل الصالح.

رابعاً: ومن الأعمال الصالحة التي تنفع المؤمن بعد موته كما ذكرت في الحديث (أو غرس نخلاً) ويُقصد بذلك غرس الشجر النافع المُثمر، الذي يستفيد منه الناس والدواب في حياتهم. وقد قال بعض أهل العلم أن معنى الحديث غير محصورٍ على النخل، ولكنه ورد في الحديث لأن النخل سيد الأشجار، وأفضلها وأنفعها. والمعنى -حفظكم الله- أن من غرس شجراً نافعاً فاستفاد منه الناس، أو الدواب، أو الطير في الطعام أو الشراب أو الظل أو غير ذلك من المنافع، فإن له أجراً عظيماً وثواباً كبيراً يناله في حياته، ويستمر له بعد مماته وقد جاء في الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً، إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ  صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ (أي ولا يُنقصه أو يأخذ منه أحد شيئاً) إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ)

خامساً: ومن الأعمال الصالحة التي تنفع المؤمن بعد موته كما ذكرت في الحديث (أو بنى مسجداً) والمعنى أن يقوم الإنسان ببناء مسجدٍ يؤدي الناس فيه صلاتهم فيعمره ويجهزه بكامل خدماته ومُتطلباته، وكلنا نعلم أن المساجد تُعد أحب البقاع إلى الله تعالى، وأنها بيوت الله في الأرض التي أذن الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ولاشك أنه إذا بُني المسجد فأُقيمت فيه الصلوات، وتُلي فيه القرآن الكريم، وذُكر فيه الله جل في عُلاه، ونُشر فيه العلم النافع المفيد، واجتمع فيه المسلمون للطاعات، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة على مستوى الفرد والجماعة، فإن لمن بناه أجرٌ في ذلك كلِّه، يقول تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ) وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ بَنَى مَسْجِداً يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بيتاً فِي الْجَنَّةِ) وقال: (مَنْ بَنَى مَسْجِداً لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)… سادساً: ومن الأعمال الصالحة التي تنفع المؤمن بعد موته كما ذكرت في الحديث (أو ورَّث مصحفاً) والمعنى أن يقوم الإنسان بطباعة المصاحف التي هي كتاب الله العظيم، أو شرائها وتوفيرها في المساجد و دور العلم كالمدارس وجماعات تحفيظ القرآن الكريم لتكون بين أيدي القارئين والدارسين، أو توقيفها في سبيل الله ليستفيد منها المسلمون، ولاسيما في بعض البلدان التي تواترت الأنباء أن بعض أبناء الجاليات المُسلمة فيها لا يكادون يجدون نسخةً واحدةً من المصحف الشريف، ولا يجدون كتب العلم الشرعي الموثوقة، ولا كتب علوم الدين الأُخرى التي هم في حاجةٍ ماسةٍ إليها لمعرفة أمور دينهم ودنياهم.. كل ذلك من الأعمال الصالحة التي يكتب الله تعالى لمن قام بها الأجر العظيم كلما تلا في ذلك المصحف تالٍ، وكلما تدبر فيه متدبر، وكلما عمل بما فيه عامل، وكلما درس في الكتاب دارسٌ أو تعلم منه مُتعلم. سابعاً: ومن الأعمال الصالحة التي تنفع المؤمن بعد موته كما ذكرت في الحديث (أو ترك ولداً صالحاً يستغفر له بعد موته) ومعنى هذا أن من كان له ولدٌ أو أولاد (ذكورٌ أو إناث)  فأحسن تربيتهم، وحرص على تعليمهم وتأديبهم، وقام برعايتهم والإحسان إليهم حتى يكونوا صالحين ومُهتدين، فإنه – بلا شك – سيكسب بِرهم ، وسيحظى بصالح دعائهم في حياته وبعد مماته واستغفارهم له عندما يكون في قبره، وهو ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ : مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) ومن هنا، فإن على الأبناء من البنين والبنات أن يُكثروا من الدعاء لأمواتهم، ولاسيما الوالدين بالرحمة والمغفرة، فلعل الله أن يستجيب الدعاء..  فيا من ترغبون في الأجر والثواب، ويا من تطمعون في رحمة الله، تأملوا وتفكّروا في فضله جل جلاله ونعمته عليكم، وبادروا إلى هذه الأعمال الصالحة وما شابهها، واحرصوا أن يكون لكم منها حظٌ ونصيب ما دمتم في دار الإمهال، وبادروا إليها أشد المبادرة قبل أن تنقضي الأعمار، وتتصرم الآجال.

 والله نسأل أن يكتب لنا التوفيق والسداد، والهداية والرشاد بمنه وكرمه.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية

فضل الرباط في سبيل الله

الحمد لله ولي الصالحين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله العالمين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله إمام المرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: الدِّفاعُ عنِ بلادِ الإسلامِ وحُرُماتِها ومقدَّساتِها واجبٌ عظيمٌ من واجباتِ الدِّينِ، والمرابطةُ على الثُّغورِ والحدود منْ أعظمِ وجوهِ الإحسانِ والمعروفِ، فلكلِّ مرابطٍ على ثغرٍ من ثغورِ المسلمينَ منَّةٌ في عنقِ كلِّ مسلمٍ، إذْ جعلَهم اللهُ سبحانهُ سبباً لأمنِ النَّاسِ في بيوتِهم على أنفسِهم وأعراضِهم وأموالِهم؛ فبينما النَّاسُ في أمنٍ ودعةٍ ورغدِ عيشٍ معَ أهليهم وأحبابِهم يعيشُ  المرابطونَ ساهرينَ مراقبينَ للعدوِّ بعيدينَ عن أهليهم حافظينَ للأمانةِ مراعينَ للعهدِ حفظاً لبلادِ المسلمينَ وإعلاءً لكلمةِ اللهِ، ولهذا كانَ للرِّباطِ في سبيلِ اللهِ من الفضلِ ما ليسَ لغيرِهِ، قالَ صلى الله عليه وسلم: (رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ مِنَ الدُّنيا وما عليها)، وللمرابطِ عندَ اللهِ فضائلُ كثيرةٌ يقول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطاً فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ) وفي حديثٍ آخرَ: (وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر)، يقول أهل العلم: (هذهِ فضيلةٌ ظاهرةٌ للمرابِطِ، وجريانُ عملِهِ عليهِ بعدَ موتِهِ فضيلةٌ مختصَّةٌ بِهِ لَا يُشارِكُهُ فيها أحدٌ)، ويومٌ في الرِّباطِ ليسَ كغيرِهِ من الأيَّامِ، يقول صلى الله عليه وسلم: (رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من ألفِ يومٍ فيما سواهُ مِنَ المنازلِ)، ويقول: (خيرُ النَّاسِ منزلةً رجلٌ على مَتْنِ فرسِهِ يُخيفُ العدوَّ ويُخيفونَهُ).

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن باتَ يحرسُ في سبيلِ اللهِ فلهُ الجنَّةُ، يقول صلى الله عليه وسلم: (عينانِ لا تمسُّهُما النَّارُ: عينٌ بَكَتْ من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتَتْ تحرُسُ في سبيلِ اللهِ)، وإنّما عظمَ جزاءُ المرابطِ لمخاطرتِهِ بنفسِهِ في سبيلِ اللهِ، يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئُكُم ليلةً أفضلَ من ليلةِ القدْرِ، حارسٌ حَرَسَ في أرضِ خَوْفٍ لعلَّهُ أنْ لا يرجعَ إلى أهلِهِ)، وإذا ثبتَ هذا الفضلُ في كلِّ بلدٍ من بلادِ المسلمينَ فما الظنُّ بمن يحرسُ بلادَ الحرميْنِ الشريفين حفظها الله  فعلى المرابطينَ على ثغورِ وحدود المسلمينَ أن يعرفوا شرفَ ما هم فيهِ، وأنْ يُخلصوا نيَّاتِهم للهِ سبحانهُ وتعالى؛ وليعلموا أنَّهم في جهادٍ كبيرٍ وعبادةٍ جليلةٍ، وأنَّهم إنْ ماتوا على ذلكَ مخلصينَ للهِ كان لهم عند اللهِ فضلٌ كبيرٌ، وعلينا معاشرَ المسلمينَ أن نعرفَ لإخواننِا المرابطينَ فضلَهم وبذلَهم وتضحايتِهم، وأنْ نذكرَهم في دعائِنا وصلاتِنا، وأنْ نحفظَهم في غيبتِهم وفي أهليهم وأنْ نَفيَ لهم كما وَفَوْا لنا.

أيُّها المؤمنونَ: إنَّ في حادثةِ استشهاد إخواننِا وأبنائنا المرابطينَ على الثُّغورِ دروساً وعبراً، ومن هذهِ العِبَر: أنْ يستعدَّ الإنسانُ للموتِ بالمداومةِ على العملِ الصَّالحِ؛ فإنَّ العبدَ لا يدري متى يفجؤهُ الأجل فالموتُ أقربُ للإنسانِ من شراكِ نعلِهِ… ومن العبر: أنْ يخلصَ العبدُ للهِ في جميعِ عملِهِ؛ لأنَّهُ لا يبقى إلا اللهُ وما كانَ لهُ، وما الحياةُ الدُّنيا إلَّا متاعُ الغرورِ… ومن العبر: أنْ ينويَ العبدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ متى احتاجَ دينُهُ ووطنُهُ لذلك، وأنْ يُحدِّثَ العبدُ نفسَهُ بأنَّهُ جنديٌّ ينتظرُ أنْ يُدعى فيجيب، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ).

ومن العبر: أن نذكرَ نعمَ اللهِ علينا بالأمنِ والعافيةِ والمعافاةِ، فما أكثرَ ما نغفلُ عن هذهِ النِّعم، يقول ﷺ: (مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا) … ومن العبر: أنْ نعرفَ لإخوانِنا المرابطينَ حقَّهم وفضلَهم، فندعو لهم، ونصلُ أهليهم، ونتفقدُ حاجاتِهم. ومنها أنْ نعلمَ أنَّ سنَّةَ اللهِ تعالى اقتضتْ أنْ تكونَ الدُّنيا ميداناً للصِّراعِ بينَ الكفرِ والإيمانِ والحقِّ والباطلِ، ولهُ سبحانهُ في ذلكَ الحكمةُ البالغةُ (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ

أَعْمَالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

اللهم انصر المجاهدين المرابطين على حدودنا وحدود بلاد الحرمين الشريفين، اللهم سدد رميهم، وثبت أقدامهم، اللهم قوِّ عزائمهم وانصرهم على أعدائهم، اللهم ارحم شهداءهم، واجعل الجنة مأواهم، اللهم إنّ الأبطال المرابطين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، اللهم سدد رميهم واكتب لهم النصر والثبات يا رب العالمين.

اللهم إنا استودعناك المجاهدين المرابطين فاحفظهم بحفظك وانصرهم وسدد رميهم وردهم لنا سالمين غانمين يا حي يا قيوم.

اللهم انصرهم، اللهم انصرهم، اللهمّ إن لنا أحبةً يواجهون أعداء الوطن، اللهم واحفظ المرابطين المكافحين لأجل دينهم وبلادهم، اللهم فاكتب الشهادة لمن ضحوا بأرواحهم منهم، واكتب الشفاء والعافية لمن جُرح منهم، واكتب السلامة والنصر لكل من يقف منهم صامداً في مواجهة الأعداء.

اللهم تقبل شهداءنا في جناتك واعفُ عنهم وأحسن عزاء أهلهم وزوجاتهم وأبنائهم وأجبر قلوبهم وأخلفهم خيراً يا رب العالمين.

اللهم كن لأبنائنا وإخواننا الجرحى خير معين اللهم داوي جرحاهم وعجل بشفائهم وأبدلهم بمصابهم يوم القيامة أجراً ونوراً يا سميع الدعاء.

اللهم أحفظ جنودنا البواسل وأنصرهم على عدوهم وردهم إلى أهلهم سالمين غانمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين،

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وأهل فلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، والمرابطين فيه واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)